¤ الســــؤال:
أنا فتاةٌ جامعية، وقد تقدَّم شابٌّ في أوائل الثلاثينيات ليخطبني، وهو مثقفٌ جدًّا، ومُدير بنك أيضًا!
أنا متردِّدة جدًّا لعدة أسباب:
• أولًا مِن حيثُ العملُ، فهل هو حرام أو حلال؟
• كذلك مِن حيثُ الكرمُ والبخل، حيث إنه في أكثر مِن موقفٍ تهرَّب من أن يدعونا لمأدبةٍ، وإذا دعانا لا يعزم علينا ولا يُكرِّر الدعوة.
• المهم في الموضوع أنني أشعر بأنه يُقلِّل مِن مُستواي، لأنه أحسن مني، ولديه دكتوراه، ويُتقِن لُغتين.
• كذلك لا يحبُّ أن يخرجَ من أي موقف يخطئ فيه بالإعتذار، بل يبحث عن الحجج ليبرِّر تصرُّفه.
• يسألني فقط عن أعمال المنزل، ويسألني كذلك متى أنام؟ ومتى أستيقظ؟ وكأنه سيتزوَّج خادمة! علمًا بأنه مُطلِّق.
إشترطتُ عليه الدراسة والعمل، فكان موافقًا في البداية، ثم غيَّر رأيه عندما تأكَّد مِن أنني أصبحتُ أحبه، والآن يقول لي: إذا كان لديكِ الوقت، وأكملتِ عمل المنزل، وكنتِ غير مقصِّرة في حقي، فيمكنكِ حينها الدراسة!
أرجو أن تعطوني جوابًا شافيًا، هل أُوافق أو أرفض هذا الشخص؟!
* الجـــــواب:
حياكِ الله، ومرحبًا بكِ، لا خلافَ على حُرْمةِ التعامُل الربويِّ أيًّا كان المسمَّى الذي يختارُه أهلُ الربا، ليُقنِعوا عُمَلاءهم ببعدِه عن الحُرْمة، وليُغْرِقوهم معهم في بحور المعصية.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة:275،276]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع المُوبِقات»، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: «الشِّرْكُ بالله، والسحرُ، وقتلُ النفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكلُ الرِّبا، وأكلُ مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذفُ المحصَنات المؤمنات الغافلات» متفق عليه.
فالربا كبيرةٌ مِن كبائر الذنوب، ووسيلةٌ للهلاك والعذاب الأخروي الأليم، وحال صاحبِه كما وصفه سَمُرة بن جُندُب رضي الله عنه فيما حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رأيتُ الليلة رجلينِ أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدَّسة، فإنطلقنا حتى أتينا على نهرٍ من دمٍ فيه رجلٌ قائم وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرجَ رمى الرجل بحجرٍ في فيه، فردَّه حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجرٍ فيرجع كما كان، فقلت: ما هذا؟ فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا» رواه البخاري.
ولا أعلم أنَّ لديكم في بلدِكم مصارف إسلامية حتى الآن، إلا أنَّ هناك بعض المصارف الإسلامية البديلة، كانتْ في طريقِها للحُصول على تصاريح مِن الدولة هذا العام كبنكِ فيصل الإسلامي السعودي وأمثاله، لكن لستُ أعلم أحصلتْ عليها، أم تعثَّرتْ في طريقها؟
أيتها الفاضلة، مِن أكثر الأشياء التي باتتْ هاجسًا يُؤَرِّق ليلَ الفتيات، ويقضُّ مضاجعهم حول الخاطب أو زوج المستقبل أمرُ الكرَم!
وأَعلم مِن الفتياتِ مَن تترصَّد بالخاطب، وترقب كلَّ رُدود فعلِه، وتقيسُها بميزان دقيقٍ، فإن أحضر أولَ زيارةٍ هديةً أو حلوى أو غيرها، فيتنقل إلى المرحلة التي تليها من حيث دعوتُه لأهل العروس، وما سيقدِّم لهم في تلك الزيارة؟ وكيف ستكون ضيافته لهم وغيرها؟ ربما تظهر تلك الخطوات أقربَ للتشدُّد أو الوسوسة، لكن الواقع أثبتَ أنها قد أصابتْ في غالب الأحوال، وفي عُرفِنا -بصرف النظر عن البلد- لا يُعدُّ الخاطبُ غيرُ الحريص على زيارة أهل مخطوبته أو دعوتهم حريصًا على مودتهم، سعيدًا بنسبهم، باقيًا على عهده معهم، أو هكذا يُنظر إليه في غالب الأحوال!
وبما أنَّكِ لم تُحدِّدي مدة الخِطْبة، فلا يُمكننا الحكم عليه، أو حتى توقُّع حاله مِن حيث الكرمُ أو الشُّح، ولا يُمكننا التنبُّؤ بشيءٍ من ذلك حتى تكونَ المدَّة كافية بما لا يسمح بالشك فيه بغير بيِّنة قوية، أو دليل قاطعٍ.
هناك الكثيرُ مِن الأمور التي قد تَحُول دون رغبةِ الشابِّ في زيارة أهل مخطوبته في بداية الإرتباط، والتي قد تُفسِّرها هي بالشُّح، في حين لا يكون لها عَلاقة بذلك، وقد قابلتُ بعض الأمثلة عليها، فعلى الفتاة أن توسِّع نظرتها، وتجعلها أكثر شمولية، فالبخيلُ لا يسهل عليه إخفاء بخله، ولا يتمكَّن مِن مواراته، إلا لمدة قصيرةٍ يسهل بعدها إكتشاف أمره، وإستيقان حاله، ومن الأمور التي يُعلَم بها حالُه النظرُ في أحوال أهله، فكثيرًا ما يكونُ أهل الدار الواحدة قد تشرَّبوا نفس الطبائع، وتغلغلتْ في نُفوسِهم متشابهات العادات.
قال بعضُهم: كنتُ أسيرُ في فلاةٍ، فرأيتُ بيتًا فأتيتُه، فإذا به أعرابية، فلما رأتْني قالتْ: مَن تكون؟ قلتُ: ضيف، قالتْ: أهلًا ومرحبًا بالضيف، إنزل على الرحب والسعة، فنزلتُ فقدَّمتْ لي طعامًا وماء، حتى أقبلَ صاحب البيت، فقال: مَن هذا؟ فقالتْ: ضيف، فقال: لا أهلًا ولا مرحبًا، ما لنا وللضيف؟! فلما سمعتُ كلامه ركبتُ مِن ساعتي، فلما كان الغد رأيت بيتًا، فقصدتُه فإذا فيه أعرابية، فلما رأتْني قالتْ: مَن تكون؟ قلت: ضيف، قالتْ: لا أهلًا ولا مرحبًا بالضيف، ما لنا وللضيف؟! فبينما هي تكلِّمني إذ أقبل صاحبُ البيت، فقال: مَن هذا؟ قالتْ: ضيف، قال: مرحبًا وأهلًا بالضيف، ثم أتى بطعام وماء، فأخبرتُه بأمري مع تلك الأعرابية، وبعلِها، فقال: لا تعجبْ إن تلك الأعرابية أختي وإن بعلَها أخو امرأتي، فغلبَ على كلِّ طبع أهلُه أ.هـ، بتصرف مِن كتاب: المستطرف في كل فنٍّ مُستظرف.
فتقرَّبي مِن أهله، وتعرَّفي على أحوالهم، وراقبي حركاتهم، وتابعي أمورَهم، ففيها طبائعُهم التي ستُعينكِ على تحديد مصيركِ وإصدار قراركِ، بعد الإستخارة والتوكل على الله.
ومِن الأمور التي قد تُفيد للحكم عليه حديثُه حول الزواج، وهل سيسير على سيرِ أقرانِه من حيث المهر، والهدايا، وغيرها، أو أنه سيُخالف؟ مع الأخْذِ في الإعتبار أنه قد مرَّ بتجربةٍ سابقة ربما لمْ يُمحَ أثرُها بعدُ، مما قد يُؤَثِّر عليه سلبًا في تعامُله معكِ، أو مع أهلكِ بشكل عام، وما أكثر التعميمات التي نُصاب بها لمجرَّد أننا تعرَّضنا لموقف واحد!
بخصوص الدراسة، مِن حقكِ أن تشترطي ما تشائين مِن أمورٍ مُباحة، ولكِ أن تتفقي معه على الدراسة، أو العمل غير المختلَط، أو غيرها مما لا يكون له الحق في الإخلاف به بعد أن يقبلَ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم» صحَّحه الألباني، ولا يحق لأحدِهم الإخلال بالشرط ما لم يكنْ فيه تعارضٌ مع النصوص الشرعية، فإن عاد وآثر التراجُع، فلكِ الحق في إختيار ما ترينه أصلح وأنفع لكِ في دينكِ أو دُنياكِ.
في النهاية لن أتمكَّن مِن إصدارِ القرار نيابةً عنكِ، وليس لي ذلك، وإنما أعرضُ عليكِ الأمر بصورةٍ أكثر وضوحًا، تُعينكِ على التفكير بشكلٍ أفضل وإختيار ما ترينه مُناسبًا لكِ بإذن الله واللهَ أسأل أن يوفقكِ ويُعينكِ ويكتب لكِ الخير حيث كان.
والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء السبيل
الكاتب: أ. مروة يوسف عاشور.
المصدر: موقع الآلوكة.